تعتبر مدينة قلعة السراغنة من أعرق حواضر جهة مراكش التي تملك مؤهلات سياحية وفلاحية وتاريخا طويلا يشهد بدورها في التمكين للسلاطين المغاربة، لأنها كانت تشكل نقطة عبور للقوافل التجارية بين ورزازات ومراكش وفاس. هذه المكانة التاريخية يشهد عليها ما تزخر به مدينة قلعة السراغنة من أبواب وأسوار تحولت إلى أطلال، ما يفرض النبش في هذا التاريخ الذي من المفروض أن يصنع فرصا للتنمية المستدامة. [1]

و منطقة السراغنة-زمران تعتبر احتياطا استراتيجيا، ثقافيا، متنوعا وغنيا يجب الحفاظ عليه وتطويره في أفق استثماره كقوة دافعة لإنعاش مجالات التنمية المختلفة بالإقليم، فلا تنمية ولا تطور بدون الاستناد إلى عمق ثقافي
لا تسعفنا المصادر التاريخية السابقة على القرن 16 في التوصل الى تاريخ تأسيس القلعة لذلك فالرأيان اللذان سنعرضهما في هذه الورقة هما مجرد اجتهادين تختلف درجة مصداقيتها حسب المعطيات التي ينطلقان منها ، اما الراي الاول فيعتبر القلعة من تأسيس السلطان العلوي المولى اسماعيل في نهاية القرن 17 م و بداية القرن 18 م في اطار سياسته القائمة على بناء مجموعة من القلاع و القصبات لمراقبة القبائل الجبلية و متابعة تحركاتها بهدف منعها من النزول الى السهول و عليه فان بناء القلعة يندرج في هدا الاطار و يرتبط بهده الفترة التاريخية و في هدا الصدد يقول J.PEGHRIER يرجع تاريخ القلعة الى عهد المولى اسماعيل 1672-1727 و يدعم رايه بما تبقى من صور القلعة الراشية التي يعتبرها النواة الاولى للمدينة . أما الرأي الثاني فيرجع تأسيس القلعة الى زمن اقدم من ذلك و بالضبط الى العهد المرابطي . و في هدا الصدد يقول الاستاد شوقي الحسن ان القلعة بناء مرابطي قديم لأغراض امنية اساسا و عسكرية اضيفت اليها بنايات اخرى ايضا عسكرية و كذا ترميمات خاصة في العهد الاسماعيلي و الى القرن التاسع عشر . [2]
و يعتمد هدا الراي على كون المدينة كانت موجودة ومعروفة بأسماء كلها بربرية مثل كاينو و لكرار وان تأسيسها من طرف المرابطين كان لحراسة الطريق بين فاس و مراكش و لتعمير البلاد و محاربة بدعة بورغواطة .و مهما يكن من امر فان الدليل المكتوب يشير الى وجود القلعة اواخر القرن 16 ميلادي ، ايام حكم الدولة السعدية تحت اسم قلعة لكرار ،الشيء الذي يرجح ان يكون تاسيسها سابقا لحكم المولى اسماعيل و حتى بحكم السعديين . و اذا اخذنا بعين الاعتبار عناية الموحدين بالمنطقة المتمثلة في حفر ساقية اليعقوبية التي تخترق ممر واد كاينو الاستراتيجي الى الجنوب من قلعة لكرار لتنقل المياه المجلوبة من الواد الاخضر الى مدينة صافي الواقعة بوسط سهل البحيرة ، لرجحنا الراي القائل بان تاسيس القلعة يبقى سابقا على العهد الاسماعيلي و حتى على العهد السعدي و من الادلة المكتوبة التي تشير الى وجود القلعة في القرن 16 م هناك نصان على قدر كبير من الاهمية.

اما النص الاول فهو المورخ المغربي الفشتالي -المتوفى سنة 1621 فيرجع تاريخه الى سنة 1588 م حيث يقول : فاقام )احمد المنصور السعدي ) هناك ) مدنة مراكش ) نصف شهر ; و نحوه فارتحل و عاج على واد السد و تثاقل في الطريق ليقضي وطرا من الصيد ;ولما نزل بساحة قلعة لكرار و تلوم بها اياما وافته البشارة بما سني الله عنده بتيطاون و الفتح و الاستيلاء على المشركين اهل سبتة . فقلعة لكرار اذن كان يقصدها ملوك الدولة السعدية وعلى راسهم احمد منصور للراحة و ممارسة الصيد .و بما ان النص لم يشر الى بنائها خلال هذه الفترة فالاحتمال الاقرب الى الصواب انها كانت موجودة قبل وصول السعديين الى الحكم .
اما النص الثاني فتمت كتابته 8 سنوات بعد دالك من طرف مؤرخ برتغالي مجهول و ذالك سنة 1956 م يقول هذا الرحالة البرتغالي : على بعد عشر مراحل من مراكش من جهة الشرق توجد مدينة صغيرة تسمى لكرار حيث يمتلك ملوك البربر كثيرا من الخيل .[3]
كما ان قواد مراكش يتوفرون في هذه المنطقة على قطع ارضية لانتاج القمح و يخترق وسط هذه المدينة نهر باطني محفور باليد يسمى الجديدة التي تجلب الكثير من ماء واد تساوت . ويقال انه اثناء فتح اسبانيا قام الملك بحفر هذه الساقية باستعمال الاسرى المسيحيين وعدهم باطلاق سراحهم فور الانتهاء من حفر الساقية.
السراغنة اليوم خليط قبائل متعددة من هلال وجشم وسليم ٠وسميت المنطقة بهذا الاسم منذ الزمن المريني والسعدي وما بعده ٠حيث كان السلاطين ينزلون فروع قبائل هناك يستخدمونها في مخزنهم وجيشهم بالقرب من الشرفاء اولاد يوسف السراغنة ،وهم حفدة سيدي بوسرغين الحسن بن قاسم الادريسي والذي قصد المنطقة في وقت سابق قادما من مدينة جوطة بعد فيضان واد سبو ودمارها٠ودأب المخزن والناس على تسمية الجهة باسم هؤلاء الاشراف ٠الذين كانت لهم مكانة كبيرة في القرون الماضية ٠وهم يتواجدون اليوم ضمن جماعة سيدي عيسى بن سليمان باقليم القلعة ويسمون باولاد يوسف وهو حفيد الجد بوسرغين الجوطي٠ ولا علاقة لهم بالولي سيدي سليمان دفين صفرو سوى الاشتراك في النسب الادريسي٠ [4]

وسميت مدينة القلعة تيمنا بهم في الزمن الاسماعيلي بعدما كانت تسمى قلعة الكرار من قبل وهذا ما تؤكده كتب التاريخ والانساب ٠لكن باحثين كثيرين لايعرفون هذا٠ ودون بعضهم ان اسم السراغنة جاء من نبتة تاسرغينت التي كانت تتواجد بالمنطقة كأحد الدكاترة ابناء العطاوية، والحقيقة هو ماذكرت٠واولاد يوسف السراغنة الاصليون نسبة الى جدهم سرغين لديهم مشجر معروف في كتب الانساب وفي الكناش الإسماعيلي.
من بين أهم المعالم التاريخية بالإقليم، منتزه الحسن الأول نتزه مولاي الحسن الأول بالجماعة الترابية سيدي رحال بإقليم السراغنة، هو معلمة تاريخية بناها السلطان العلوي المولى الحسن الأول في القرن الـ 19 بمنطقة تتميز بمناخ رطب صيفا ومعتدل شتاء، ليتخذ من مخيما صيفيا. فبقربه من وادي أغداث وقمم كدية لالة لعفو وسهول زمران الشرقية، التي كانت تنتشر بحقولها الورود والأزهار، شكل هذا الفضاء وجهة مفضلة للسلطان مولاي الحسن، الذي كان عرشه على صهوة فرسه، لقضاء فترة استجمام بين أغصان أشجار الزيتون، قرب ضريح الولي الصالح بويا رحال البودالي، وأصوات طلبة المدارس القرآنية بالمنطقة.[5] لهذه المعلمة أبواب كثيرة، لكن الباب الرئيسي تميزه هندسة بنائه، وموقعه بالنسبة لباقي المداخل التي يصعب رؤيتها من الداخل بسبب أبعادها الصغيرة وبفعل الأشجار الباسقة. هذه المعلمة شكلت مقرا للمقيم العام بسيدي رحال. ويشبه هذا المنتزه في هندسته قصر الباهية، لأنهما بنيا في الفترة التاريخية نفسها، التي حكم فيها مولاي الحسن الأول، وفي زمن حاجبه أبا أحماد، لكن المستعمر الفرنسي أدخل تعديلات على هندسته، كما تم تصنيفها وموقع واد أغداث، من ضمن المباني التاريخية والمواقع المرتبة في عداد الآثار بإقليم قلعة السراغنة، تحت ظهير بتاريخ 06 يوليوز 1940.
كما تعد دار القائد علال الشرقاوي بجماعة أولاد الشرقي، واحدة من بين هذه المآثر، حيث يعتبر القائد من أقوى قياد السراغنة في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، حيث عينه بظهير سلطاني سنة 1860 على بني عامر واولاد سيدي وبمحمد صالح، واولاد سيدي منصور، واولاد سيدي إدريس، ولجراحة، واولاد سيدي محمد القومي، واولاد وكاد، واولاد سالم.
ليتوسع نفوذ حكمه ويشمل: هنتيفة وآيت أعتاب بعد فصلها عن قائدها آنذاك، قبل أن يتوصل بظهير ثان جاء فيه: “خادمنا الأرضى القائد علال الشرقاوي إنا وليناك على العثامنة وأهل بوقارون” وقد كان أول مشروع للقائد هو بناء دار بمسقط رأسه وبين إخوانه وقبيلته على مساحة تتجاوز 10 هكتارات بمرافق متعددة: ساحة المشور، سكنى عيال القائد، مسجد، سكنى الأعوان، ملاح لليهود، مرس وخزين، بئر وناعورة، وحدائق تسقى من الساقية الشرقاوية. كما أحيطت دار القائد بعشرات المطامير لتخزين الحبوب. وعدة “مطفيات” لتجميع المياه… ومازالت هذه المآثر إلى الآن شاهدة على عظمة هذا القائد الذي اشتهر بالشجاعة والحكمة ما جعله يحظى بثقة السلطان لتوسيع نفوذ حكمه.
وتقوم فكرة المشروع على إعداد منصة الكترونية تفاعلية، تكون مرجعا أولا وكبيرا لكل المخطوطات والوثائق والأبحاث والمقالات والكتابات والصور حول إقليم قلعة السراغنة، بداء من التاريخ مرورا بالتراث والفن والمجال والعمران والتراب، تكون مرجعا لأبناء الإقليم من الباحثين وكذلك حفظا وصونا للذاكرة المشتركة لأبناء الإقليم ولأبناء قبائل السراغنة زمران.
[1] شدرات من التاريخ – الموقع الرسمي للجماعة الحضرية قلعة السراغنة
[2] المرجع السابق
[3] شدرات من التاريخ – الموقع الرسمي للجماعة الحضرية قلعة السراغنة
[4] تاريخ قبيلة السراغنة الأصول المجال السكان، شوقي، الحسن، الصفحة 12.
[5] جريدة هسبريس، إبراهيم مغراوي، منتزه “الحسن الأول” .. فضاء تاريخي بالسراغنة.